الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.وفاة شاه أرمن سكمان وولاية مكتمر مولى أبيه. ثم توفي شاه أرمن سقمان بن إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط سنة ست وسبعين وكان مكتمر مولى أبيه بمافارقين فأسرع الوصول بمن معه من المماليك واستولى على كرسي بني سكمان وولى على ميافارقين أسد الدين برتقش من موالي شاه أرمن وكان البهلوان بن إيلدكز صاحب أذربيجان وهمذان مر بقائد ملوك السلجوقية وقد زوج ابنته من شاه أرمن طمعا في ملك خلاط فلما توفي شاه أرمن سار إليها في عساكره فكاتب أهل خلاط صلاح الدين بن أيوب ودافعوا كلا منهما بالآخر وسار صلاح الدين في مقدمته ابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه ومظفر الدين بن زين الدين وغيرهما ونزلوا قريبا من خلاط فتردد الرسل من صلاح الدين ومن شمس الدين البهلوان إلى أهل خلاط وهم يدافعون الفريقين وكان قد بلغه صاحبها قطب الدين وأن برتقش نصب ابنه طفلا صغيرا واستبد عليه فسار صلاح الدين إليها وحاصرها حتى تسلمها على الأمان وأقام مكتمر أميرا بخلاط وطالت مدته وجرت بينه وبين صلاح الدين فتن وحروب إلى أن توفي صلاح الدين سنة تسع وثمانين فأظهر الشماتة به وتسمى عبد العزيز وتلقب سيف الدين وتوفى أثر ذلك والله تعالى أعلم..وفاة مكتمر وولاية أقسنقر. كان مكتمر لأول ولايته قد اختص أقسنقر من موالي شاه أرمن وتلقب هزارد يناري وزوجه بنته وجعله أتابكه فأقام على ذلك مدة ثم استوحش من مكتمر وتربص به حتى إذا توفى صلاح الدين تجهز مكتمر من ميافارقين فأمكنته فيه الفرصة لعشر سنين من ولايته وذلك بعد وفاة صلاح الدين بشهرين واستبد بملك خلاط وأرمينية واعتقل ابن مكتمر وأمه في بعض القلاع والله سبحانه وتعالى أعلم..وفاة أقسنقر وولاية محمد بن مكتمر. ثم هلك أقسنقر صاحب خلاط وأرمينية سنة أربع وتسعين لخمس سنين من ملكه وقام بملك خلاط بعده حجر اشتد قطلغ الأرمني ولم يرضه خلاط فوثبوا به لسبعة أيام من ولايته وقتلوه واستدعوه محمد بن مكتمر من محبسه وملكوه ولقبوه الملك المنصور وقام بدولته شجاع الدين قطلغ القفجاقي دوادار شاه أرمن وأقام تحت استبداده إلى سنة ثلاث وستمائة ثم دبر الدوادار وقبض عليه وكان حسن السيرة فاستوحش لذلك الجند والعامة وعكف بعد نكبة الدوادار على لذاته فاجتمع أهل خلاط والجند وكبيرهم بلبان مملوك شاه أرمن وكتبوا إلى أرتق بن أبي الغازي بن البي صاحب ماردين يستدعونه للملك بما كان ابن أخت شاه أرمن وجاهر بلبان بالعصيان إلى ملازكرد واجتمع الجند عليه..نكبة ابن مكتمر واستيلاء بلبان على خلاط وأعمالها. ولما ملك بلبان مدينة ملازكرد وأعمالها واجتمع عليه الجند وسار يريد خلاط ووصل أرتق بن أبي الغازي صاحب ماردين لموعدهم ونزل قريبا من خلاط فبعث إليه بلبان أن الجند والرعية اتهموني فيك فارجع وإذا ملكت البلد سلمته إليك فتنحى قليلا فبعث إليه يتوعده على مقالته وبطئه فعاد إلى ماردين وكان الأشرف موسى بن العادل بن أيوب صاحب الجزيرة وحران لما سمع بمسير ارتق إلى خلاط طمع فيها لنفسه وخشي أن يزداد بملكها قوة عليهم فخالفه إلى ماردين وأقام بتدليس وجيى ديار بكر حتى استوعبها وعاد إلى حران ثم جمع بلبان العساكر وسار إلى خلاط فحاصرها وبرز ابن مكتمر فيمن عنده فانهزم بلبان وعاد إلى ولايته بملازكرد وارجيش وغيرها ثم جمع ورجع إلى خلاط فحاصرها وضيق عليها وابن مكتمر عاكف على لذاته فلما جهدهم الحصار ثاروا به وقبضوه ومكنوا بلبان منه ودخل إلى خلاط واستولى عليها وعلى سائر أعمالها وحبس ابن مكتمر في قلعة هناك واستبد بملكها وكان الأوحد نجم الدين أيوب بن العادل بن أيوب قد ولى على ميافارقين من قبل أبيه إلى خلاط سنة أربع وستمائة وقصد مدينة سيواس وحاصرها وملك ما يجاورها وعجز بلبان عنه ثم ملك سوس وقصد خلاط فبرز له بلبان وهزمه فعاد إلى ميافارقين وجمع واستمد أباه العادل فأمده بالعساكر ونهض إلى خلاط فبرز له بلبان ثانية وهزمه الأوحد وحاصره في خلاط فبعث بلبان إلى طغرك يستنجده فانهزم الأوحد أمامهما وسار بلبان مع طغرك إلى مراش فحاصراها وغدر به طغرك هناك وقتله وسار إلى خلاط فمنعه أهلها فسار إلى ملازكرد فمنعوه كذلك فعاد إلى أرزن وأرسل أهل خلاط بطاعتهم إلى الأوحد نجم الدين فجاء وملك خلاط واستولى على أعمالها وزحف الكرج فأغاروا على خلاط وعاثوا في نواحيها والأوحد مقيم بخلاط لم يفارقها وانتقض عليه جماعة من العسكر بحصن رام وساروا إلى مدينة أرجيش فملكوها واجتمع إليهم المفسدون وبعث نجم الدين إلى أبيه العادل يستنجده فأمده بابنه الآخر شرف الدين موسى فحاصر حصن رام حتى استأمن إليه من كان به من الجند ورجع الأشرف إلى عمله بحران والرها واستقر نجم الدين بخلاط ثم سار إلى ملازكرد ليطالع أمورها ويمهدها فثار أهل خلاط بعسكره فأخرجوهم وحصروا أصحاب نجم الدين بالقلعة ونادوا بشعار شاه أرمن وقومه فرجع الأوحد ولاقاه عسكر الجزيرة وحاصر خلاط ثم اختلف أهلها فدخلها عليهم عنوة واستباحها ونقل جماعة من أعيانها إلى ميافارقين وقتل كثيرا منهم هنالك واستكان أهل خلاط بعدها وانمحى منها حكم المماليك بعد أن كانوا مستحكمين فيها يولون ملوكها ويخلعونهم وانقرضت دولة بني سكمان من خلاط وصارت لبني أيوب والبقاء لله وحده والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وإليه المرجع.
|